
يرى يورغن هابرماس أن الفعل التواصلي يتميز عن غيره من الأفعال الأخرى بأنه لا يسعى للبحث عن الوسائل التي تمكنه من التأثير في الغير، بل يبحث عن كيفية التوصل إلى تفاهم معه لذلك حاول في كل أعماله البحث عن السبل التي تمكن من تحقيق الاندماج الاجتماعي بدل الصراع والتطاحن، والحل هو بناء فضاء عمومي يطرح للنقاش كل القضايا التي تساعد على تحقيق التفاهمات والإجماع بدل الصراع والعنف.
وقد برز المجتمع الجماهيري نتيجة زيادة تعقيدات المجتمع وتحوله من زراعي إلى صناعي منتجا ماديا وفكريا وثقافيا ذا استهلاك واسع، فأصبح المجتمع أكثر حركية اقتصاديا لأنه مصنع وموزع للسلع، واتصاليا لنمو حاجة الأفراد للتعرف على هذه المنتجات من جهة، والتعرف على ما يحدث من تغيرات من حولهم في جميع ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية من جهة أخرى.
إذا كانت الديمقراطية وظيفتها تنظيم وتدبير المجتمع بشكل عام فأهدافها لن تتحقق إلا باشتراك جميع مكوناته، وبتوفير شروط جوهرية لا غنى عنها هي المواطنة ودولة الحق والقانون وقدسية حرية الرأي والتعبير، باعتبار كل ذلك يمثل حياة جماعية قائمة على روابط تشريعية وسياسية وثقافية وإنسانية، وإطارا تبرز فيه الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة لممارسة الحرية والمساواة والعدالة، فيما يلعب الإعلام بتكنولوجياته المختلفة دورا محوريا في الديمقراطية من خلال ضمان وتكريس حرية التعبير، وكونه فضاء لتعدد الآراء والمواقف، ومصدرا للمعلومات والمعطيات اللازمة للأفراد والفاعلين ليقوموا بواجبهم كمواطنين، وكذا يعد سلطة للرقابة والتحقيق، فوسائل الإعلام بالتالي هي تعبير عن الديمقراطية وشريك لها.
شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها على التوجهات الفكرية لدى الشباب السعودي
عام الفقه والشريعة القانون السنة الدعوة العقيدة العلوم الإنسانية
ما يعني أن "الاعتراف" في متن تايلور له أفق مختلف عن بعض الأطروحات الأخرى الخاصة بالموضوع؛ لأن رهانه الذي يمكن معاينته بوضوح، ضمن دراسته المرتبطة بـ"سياسة الاعتراف" قائم بالأساس على تجاوز فكرة "دموية" الاعتراف. أي عوض أن يكون تحقيق الاعتراف مدعاة لخوض صراع حتى الموت -ولو بمعانيه المجازية الدالة على الهزيمة والخضوع والانصياع والعبودية- من أجل نيله، يمكن بلورته مع تايلور في إطار رؤية سياسية تتجاوز لغة الدم والصراع والهيمنة، إلى مستوى يصبح بموجبه استحقاقا سياسيا ومدنيا، يشابه باقي الحقوق التي يتم الحصول عليها بالتراضي والمواضعة السياسية، من خلال التفكير المؤسساتي في كيفية رفع غيابه الذي يولد "الاحتقار"، لكن باستحضار أبعاده "الوجودية" الدالة على "الهوية" أيضا.
يميل الفرد إلى التخاطب مع من يتفقون معه في الآراء أكثر من الذين يختلفون معه.
غير مسموح بنسخ، أو إعادة توزيع، أو نقل، أو تخزين، أو استعمال المواد المنشورة على الموقع بأي شكل أو أي وسيلة دون الحصول على إذن كتابي.
المواطنة الافتراضية الفضاء العمومي الافتراضي التقدم التقني تايلور
النّدوة العلميّة الدّوليّة "الدّين والدّولة في المجال الإسلامي الرّاهن: مقاربات ومطارحات"
وتعبيرا عن جوهر هذه النقلة برزت مشروعات للساحة الفكرية والثقافية التي تقوم بتسليط الضوء على مسارات هذا الانقلاب، ومن أهمها مشروع تشارلز تايلور. وهذا ما سيعمل هذا المقال على مقاربته؛ وذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف أدى التقدم التقني إلى بناء فضاء عمومي افتراضي عابر للهويات والمواطنين المحليين؟ وهل يكفي نقد التقدم التقني لاسترجاع المعنى نور الإمارات الحقيقي للمواطنة؟ أم إن الأمر يستدعي البحث عن سبيل جديد لفهم الوضع الذي يفرضه التقدم التقني؟
تسعى هذه الورقة البحثية للوقوف على مفهوم الفضاء العمومي الذي يعرف اهتماما خاصا في أبحاث المفكر الألماني يورغن هابرماس إذ يعتبره أساس اكتمال مشروع المجتمع الحديث، ويعول هابرماس وأنصاره لتجاوز الاختلال في المجتمعات والأنظمة السياسية على المجال العمومي الديمقراطي القادر على خلق نقاش عام بين أفراد المجتمع، ومن ثمة صناعة رأي عام يخدم المصلحة العامة، كما وتهدف أيضا لدراسة علاقة هذا الفضاء بالإعلام ووسائله المختلفة وتشخيص واقعه في العالم العربي من خلال الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية بشكل خاص.
وعليه فإن الفضاء العمومي يتشكل من خلال البرلمان، الأحزاب، الجمعيات، النقابات، الهيئات العالمية، الاتحادات المختلفة، المظاهرات، الاحتجاجات، وسائل الإعلام الجماهيرية، المؤسسات الحكومية كالوزارات، المؤسسات الدينية كالمسجد والكنيسة، المؤسسات الاجتماعية العمومية، الساحات العامة، الأسواق، الإمارات المقاهي، الحمامات وغيرها.
..، للإشارة إلى أمكنة محتضنة لمعاني وجودية يتم التعبير عنها بشكل فردي لكن بروح جمعية مشتركة.
تعد وسائل الإعلام من المصادر الرئيسية لنشر المعلومات، ونقل مناخ التأييد أو المعارضة.